حديث قدسي – 125
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"قَالَ الله تَعَالَى: "كُلُ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَوم، فَإِنَهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ."
رواه البخاري.
حديث قدسي - 126
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْم لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، إنَّ لِلصائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزاهُ فَرِحَ، وَالَذِي نَفْسُ مُحَمَد بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ."
رواه مسلم وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والنسائي.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ المناوي في فيض القدير:
( إن الله يقول: إن الصَّوْم لي ) أي لا يُتَعَبَّد به أحدٌ غيري، أو هو سرٌ بيني وبين عبدي، ( وأنا أجزي به ) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب ( إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح ) قَالَ القاضي: ثواب الصائم لا يُقَدِر قَدره ولا يَقْدِر على إحصائه إلا الله، لذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته، والموجب لاختصاص الصَّوْم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن جميع العبادة مما يطَلِع عليه العباد والصوم سرٌ بينه وبين الله يفعله خالصاً لوجهه ويُعامله به طالباً لرضاه، الثاني: أن جميع الحسنات راجعةٌ إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع مَا فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش، فبينه وبينهما أمدٌ بعيد لخلوصه لله، أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه، ويحتمل أن يكون المراد بفطره: يوم موته فإِنَّ المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره، فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره، وذلك حين فرحه بما يرى مما أعدَّ الله له من الكرامات، وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح.
( والذي نفس محمد بيده ) أي بقدرته وإرادته ( لخلوف فم الصائم ) بضم الخاء أي تغيُر ريحه لخلو المعدة عن الطعام، ( أطيب عند الله ) وذلك يوم القيامة كما في خبر مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبرٌ آخر، ولا مانع من إرادتهما ( من ريح المسك ) قَالَ البيضاوي: هذا تفضيلٌ لما يُستَكْرَه من الصائم على أطيب مَا يُستَلَذُ من جنسه وهو المسك ليُقاس عليه مَا فوقه من آثار الصَّوْم ونتائجه، وقَالَ غيره: خصَه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى، وفي تعليق القاضي: إن للأعمال ريحاً تفوح يوم القيامة، فريح الصَّوْم منها كالمسك.
حديث قدسي - 127
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"كُلُ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَوم، فَإِنهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ."
رواه مسلم وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والنسائي وابن ماجه.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ ابن حجر في فتح الباري ( مُختَصَرَاً ):
قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي.
ولقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى " الصيام لي وأنا أجزي به " مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوالٍ:
منها أن الصَّوْم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، فأعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب.
ومنها أن المراد بقوله " وأنا أجزي به " أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس.
وقَالَ القرطبي: معناه أن الأعمال قد كُشِفَت مقادير ثوابها للناس، وأنها تُضَاعَف من عشرة إلى سبعمائة إلى مَا شاء الله، إلا الصيام فإِنَّ الله يُثِيبُ عليه بغير تقدير.
ومنها معنى قوله: " الصَّوْم لي " أي أنه أحب العبادات إلي والمُقَدَم عندي.
وقَالَ القرطبي: معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه يقول إن الصائم يَتَقَرَّب إليَّ بأمرٍ هو مُتَعَلِق بصفة من صفاتي.
ومنها: إن سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يُعبَد به غير الله، بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك.
ومنها: أن جميع العبادات تُوَفَى منها مظالم العباد إلا الصيام.
وقوله: (أطيب عند الله من ريح المسك) اختُلِفَ في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك، مع أنه سبحانه وتعالى مُنَزَّه عن استطابة الروائح، ومع أنه يعلم الشيء على مَا هو عليه، فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرُب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وقيل: المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك، وقيل: المراد أن الله تعالى يُجزيه في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم ورِيح جُرحِه تفوح مِسكاً.
حديث قدسي - 128
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: الصَومُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَومُ جُنَّةٌ، وَلِلصَائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ."
رواه البخاري.
شرح الحديث
انظر الحديث رقم ( 127 ).
حديث قدسي - 129
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"الصِيَام جُنَّةٌ، وهو حِصْنٌ من حصونِ المؤمِن، وكلُ عملٍ لصاحبهِ إلا الصِيام، يقولُ الله: الصِيامُ لي، وأنا أجزيِ بهِ."
رواه الطبراني وقَالَ الألباني: حسن ( صحيح الجامع الصغير ).( صحيح الجامع: 3881 ).
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ المناوي في فيض القدير:
( الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام لي ) أي هو خالصٌ لي، لا يطَلِع عليه غيري ( وأنا أجزي به ) صاحبه جزاءاً كثيراً، وأتولى الجزاء عليه بنفسي، فلا أكِله إلى مَلَكٍ مُقَرَّب ولا غيره لأنه سرٌ بيني وبين عبدي، لأنه لما كفَ نفسه عن شهواتها جُوزِيَ بتولِي الله سبحانه إحسانه.
حديث قدسي - 130
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"الصِيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِي صَائِمٌ مَرَتَيْنِ، وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا."
رواه البخاري.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ ابن حجر في فتح الباري:
قوله: (الصيام جنة) والجَنَّة بضم الجيم الوقاية والستر.
وصاحب " النهاية "قال: معنى كونه جنة أي يقي صاحبه مَا يؤذيه من الشهوات.
وقَالَ القرطبي: جنة أي سترة، يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، ويصح أن يُراد أنه سُترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، ويصح أن يُراد أنه سُترة بحسب مَا يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات.
وقَالَ عياض في " الإكمال ": معناه سترة من الآثام أو من النَّار أو من جميع ذلك.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
وقوله: (فلا يرفث) أي الصائم، كذا وقع مختصرا، وفي الموطأ " الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ " ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث، والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش، وهو يُطلَق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها.
وقوله: (ولا يجهل) أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك.
وقَالَ القرطبي: لا يُفهَم من هذا أن غير الصَّوْم يُباح فيه مَا ذُكِر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
عن قوله: (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين ) فقد اتفقت الروايات كلها على أنه يقول " إني صائم " فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة.
ويقول ابن حجر:
إن كان المراد بقوله " قاتله " شاتمه لأن القتل يُطلَق على اللعن، واللعن من جملة السب، فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله " إني صائم ".
واختُلِف في المراد بقوله " فليقل إني صائم " هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه ؟ وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأوَّل في " الأذكار " وقَالَ في " شرح المهذب " كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا.
وأما تكرير قوله " إني صائم " فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك.
ونقل الزركشي: إن المراد بقوله " فليقل إني صائم مرتين " يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه، فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
فائدة قوله " إني صائم " أنه يمكن أن يكف عنه بذلك، فإِنْ أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل، هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة، فإِنْ كان المراد بقوله " قاتله " شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله إني صائم.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
قوله: (والذي نفسي بيده) أقسم على ذلك تأكيدا.
وقوله: (لخلوف) المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
قوله: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) هكذا وقع هنا، ووقع في الموطأ " وإنما يذر شهوته الخ " ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الإشكال فيه.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر:
والجهة التي بها يستحق الصائم ذلك هي الإخلاص الخاص به، فلو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور، لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما، ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه، والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص.
ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام.
وقَالَ الإمَامُ ابن حجر في فتح الباري ( مُختَصَرَاً ):
قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي.
ولقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى " الصيام لي وأنا أجزي به " مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوالٍ:
منها أن الصَّوْم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، فأعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب.
ومنها أن المراد بقوله " وأنا أجزي به " أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطَّلع عليها بعض الناس.
وقَالَ القرطبي: معناه أن الأعمال قد كُشِفَت مقادير ثوابها للناس، وأنها تُضَاعَف من عشرة إلى سبعمائة إلى مَا شاء الله، إلا الصيام فإِنَّ الله يُثِيبُ عليه بغير تقدير.
ومنها معنى قوله: " الصَّوْم لي " أي أنه أحب العبادات إلي والمُقَدَّم عندي.
وقَالَ القرطبي: معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق، كأنه يقول إن الصائم يَتَقَرَّب إليَّ بأمرٍ هو مُتَعَلِق بصفة من صفاتي.
ومنها: إن سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يُعبَد به غير الله، بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك.
ومنها: أن جميع العبادات تُوَفَّى منها مظالم العباد إلا الصيام.
وعن قوله: ( والحسنة بعشر أمثالها.) فالمعنى أن الحسنات يُضاعَف جزاؤها، وثواب الصَّوْم لا يُقَدِّر قَدْرَهُ ولا يُحصِيه إلا الله تعالى.
حديث قدسي - 131
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
" قَالَ اللهُ: كُلُ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِيَامَ فَإِنَهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فإِنْ سَابَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَذِي نَفْسُ مُحَمَدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ."
رواه البخاري والبيهقي والنسائي.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ المناوي في فيض القدير:
( قَالَ الله تعالى كل عمل ابن آدم له ) أي كل عمل له فإِنَّ له فيه حظاً ودخلاً لإطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثواباً منهم، إلا الصيام فإنه خالصٌ لي، فلا يطَّلع عليه غيري، أو لا يعلم ثوابه المترتب عليه، أو وصفٌ من أوصافي لأنه يرجع إلى صفته الصمدية أن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسمه الصمد، أو معناه أن الأعمال يقتص منها يوم القيامة في المظالم إلا الصَّوْم فإنه لله ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئاً.
وقَالَ الإمَامُ المناوي:
( وأنا أجزي به ) صاحبه جزاءاً كثيراً وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى مَلَكٍ مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لا يطلع عليه غيري كصلاة بغير طهر أو ثوب نجس أو نحو ذلك مما لا يعلمه إلا الله.
( والصيام جنة ) أي ترس يدفع المعاصي أو النَّار عن الصائم كما يدفع الترس السهم ( وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ) بضم الفاء وكسرها لا يتكلم بقبيح ( ولا يصخب ) لا يصيح وفي رواية لمسلم بدل يصخب يجهل ( وإن سابه أحد ) أي شاتمه يعني تعرض لشتمه ( أو قاتله ) أي أراد مقاتلته أو نازعه ودافعه ( فليقل ) بقلبه أو لسانه أو بهما وهو أوْلى ( إني امرؤ صائم ) ليكف نفسه عن مقاتلة خصمه.
( والذي نفس محمد بيده ) أي بتقديره وتصريفه ( لخلوف ) بضم الخاء وخطَّأوا من فتحها تغير رائحة ( أطيب عند الله من ريح المسك ) أي عندكم، ففضَل مَا يُستَكرَه من الصائم على أطيب مَا يُستَلَذ من جنسه، ليُقَاس عليه مَا فوقه من آثار الصوم.
وقَالَ الإمَامُ المناوي:
( وللصائم فرحتان يفرحهما ) أي يفرح بهما ( إذا أفطر فرح ) أي بإتمام صومه وسلامته من المفسدات لخروجه عن عهدة المأمور أو بالأكل والشرب بعد الجوع أو بما يعتقده من وجود الثواب أو بما ورد في خبر إن للصائم عند فطره دعوة لا تُرَد ( وإذا لقي ربه فرح بصومه ) أي بنيل الثواب وإعظام المنزلة أو بالنظر إلى وجه ربه والأخير فرح الخواص.
حديث قدسي - 132
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: لِكُلِ عَمَلٍ كَفَارَةٌ، وَالصَومُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ."
رواه البخاري.
حديث قدسي - 133
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"ثَلاَثَةٌ لا تُرَد دَعْوَتُهُمْ: الصائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَام وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السمَاءِ، ويَقُولُ الرَبُ: وَعِزَّتِي لأنصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ."
رواه ابن ماجه وابن خزيمة وقَالَ الشيخ أحمد شاكر: صحيح.
شرح الحديث
قَالَ ابن ماجه في سننه:
(ودعوة المظلوم) أي على الظالم، أو في الخلاص من الظلم. (دون الغمام) المراد به الغمام المذكور في قوله تعالى: يوم تشقق السَّمَاء بالغمام، وفي قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللَّه في ظلل من الغمام